Sabtu, 01 September 2012

Said Aqil Siradj (Part IV)


أما مروان بن الحكم فلم يوله عثمان إلا أنه كان مشهودا له بالعدل والثقة من الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين. (العواصم من القواصم ص89).
صحيح أن مروان قد ارتكب بعض الأخطاء التي كانت سببا من أسباب الفتنة. (الطبقات ابن سعد ج5/ ص26).
ولكنها لم تكن كل الأسباب وإن ما ارتكبه مروان لم يكن بأمر الخليفة وموافقته وربما عن غير علم منه فمروان إذن وليس الخليفة هو الذي يتحمل مسئولية تلك الأخطاء. (دراسة عن الفرق ص38).
وأما قوله: وولي مروان أمره وألقى إليه مقاليد أموره ودفع إليه خاتمه وحدث من ذلك قتل عثمان وحدث من الفتنة بين الأمة ما حدث. فالجواب : أن قتل عثمان والفتنة لم يكن سببها مروان وحده، بل اجتمعت أمور متعددة من جملتها أمور تنكر من مروان وعثمان رضي الله عنه كان قد كبر وكانوا يفعلون أشياء لا يعلمونه بها فلم يكن آمرا لهم بالأمور التي أنكرتموها عليه بل كان يأمر بإبعادهم وعزلهم فتارة يفعل ذلك وتارة لا يفعل ذلك وقد تقدم الجواب العام.
ولما قدم المفسدون الذين أرادوا قتل عثمان وشكوا أمورا أزالها كلها عثمان حتى أنه أجابهم إلى عزل من يريدون عزله وإلى أن مفاتيح بيت المال تعطى لمن يرتضونه وأنه لا يعطي أحدا من المال إلا بمشورة الصحابة ورضاهم ولم يبق لهم طلب ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: مصصتموه كما يمص الثوب ثم عمدتم إليه فقتلتموه. (منهاج السنة النبوية ج6/ص 248).
ثبت في الصحيح أن رجلا أراد أن يطعن في عثمان عند بن عمر فقال: إنه قد فر يوم أحد ولم يشهد بدرا ولم يشهد بيعة الرضوان فقال ابن عمر: أما يوم أحد فقد عفا الله عنه (وفي لفظ: فر يوم أحد فعفا الله عنه، وأذنب عندكم ذنبا فلم تعفوا عنه) وأما يوم بدر فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف على ابنته وضرب له بسهمه. وأما بيعة الرضوان فإنما كانت بسبب عثمان فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى مكة وبايع عنه بيده ويد النبي صلى الله عليه وسلم خير من يد عثمان. فقد أجاب ابن عمر بأن ما يجعلونه عيبا(ما كان منه عيبا) فقد عفا الله عنه والباقي ليس بعيب بل هو من الحسنات. وهكذا عامة ما يغاب به على سائر الصحابة هو إما حسنة وإما معفوا عنه فحينئذ فقول الرافضي: إن عثمان ولى من لا يصلح للولاية إما أن يكون هذا باطلا ولم يول إلا من يصلح وإما أن يكون ولى من لا يصلح في نفس الأمر لكنه كان مجتهدا في ذلك فظن أنه كان يصلح وأخطأ ظنه وهذا لا يقدح فيه.
وهذا الوليد بن عقبة الذي أنكر عليه ولايته قد اشتهر في التفسير والحديث والسير أن النبي صلى الله عليه وسلم ولاه على صدقات ناس من العرب فلما قرب منهم خرجوا إليه فظن أنهم يحاربونه فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم محاربتهم له فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل إليهم جيشا فأنزل الله تعالى: (يَاأَيّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَـيّنُوْا أَنْ تُصِـيْبُوْا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتَصْبَحُوْا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِيْنَ). (الحجرات:61).
فإذا كان حال هذا خفى على النبي صلى الله عليه وسلم فكيف لا يخفى على عثمان؟، وإذا قيل : إن عثمان ولاه بعد ذلك، فيقال: باب التوبة مفتوح وقد كان عبد الله بن سعد بن أبي سرح ارتد عن الإسلام ثم جاء تائبا وقبل النبي صلى الله عليه وسلم إسلامه وتوبته بعد أن كان أهدر دمه. وعلي رضي الله عنه يبين له من عماله ما لم يكن يظنه فيهم فهذا لا يقدح في عثمان ولا غيره. وغاية ما يقال: إن عثمان ولى من يعلم أن غيره أصلح منه وهذا من موارد الاجتهاد. أو يقال: إن محبته لأقاربه قبلته إليهم حتى صار يظنهم أحق من غيرهم أو أن ما فعله كان ذنبا. وقد تقدم أن ذنبه لا يعاقب عليه في الآخرة.
وقوله: حتى ظهر من بعضهم الفسق ومن بعضهم الخيانة، فيقال: ظهور ذلك بعد الولاية ولا على أن المولّي علم ذلك وعثمان رضي الله عنه لما علم أن الوليد بن عقبة شرب الخمر طلبه وأقام عليه الحد. وكان يعزل من يراه مستحقا للعزل، ويقيم الحد على من يراه مستحقا لإقـامة الحد عليه. (منهاج السنة النبوية ص238-241).
وإذا أخذنا هذه التهم واحدة واحدة نجد أن حب المرء لقرابته ليس مما يؤاخذ به. أما أنا لخليفة عثمان دفعه هذا الحب إلى أن يولي أقاربه أمور الدولة مع علمه بعدم كفاءتهم وصلاحهم للأمر فهذا أمر يحتاج إلى نظر:
فالوليد بن عقبة مثلا الذي اتهم الخليفة بأنه ولاه لقرابته منه نجده قد تولى بعض الأعمال لعمر رضي الله عنه، ومن ثم لا ينبغي اتهام عثمان بأنه ولاه لأنه قريب فحسب. أما قصة شرب الوليد الخمر وصلاته بالناس سكرانا فقد شكك فيها محب الدين الخطيب وحاول إثبات أنها كانت مؤامرة دبرت ضد الوليد قام بها بعض الحاقدين عليه والناقمين الذين أقام فيهم الحد وشهدوا زورا عليه نكاية به وانتقاما لأنفسهم. واستند في هذا إلى رواية أوردها الطبري في تاريخه. (العواصم من القواصم ص94).
وهذا يخالف المصادر الموثوقة التي أكدت هذه الحادثة فقد وردت إشارة إلى الحادثة في صحيح البخاري ومسلم وسنن أبي داود. وقد ذهب ابن حجر غلى أن قصة صلاة الوليد بالناس أربعا وهو سكران مشهورة مخرجة في الصحيحين وعزله عثمان بعد جلده عن الكوفة وولاها سعيد بن العاص ويقال إن بعض أهل الكوفة تعصبوا عليه فشهدوا عليه بغير الحق حكاه الطبري واستنكره بن عبد البر . (الإصابة ج3/ص637-638).
وثبوت هذه القصة ونتئجها لا يقدح في عثمان رضي الله عنه بل يؤكد عدالته وعدم محاباته لأقاربه إذ أن قرابة الوليد منه لم تمنعه من أن يتقصى الأمر، وحينما وجد شهودا شهدوا ضد الوليد قام بواجبه كأمير المؤمنين فأقام الحد عليه وعزله عن الولاية.
أما عبد الله بن سعد بن أبي السرح فقد ثبت أنه تاب من ردته وأن عثمان توسط له عند الرسول عليه الصلاة والسلام فعفا عنه وحسن إسلامه وشارك في فتوحات الإسلام في مصر وشمال أفريقيا وشهد له بالكفاءة وحسن البلاء وكان له مواقف محمودة الفتوح. ثم ولاه عثمان مصر بعد هذه التجارب، فعثمان إذن لم يوله إلا وقد ظن أنه كفؤ وجدير بالقيام بما يوكل إليه من أعمال. وقد ثبت أن ابن أبي السرح قد ارتكب بعض الأخطاء. أما أن عثمان قد أقره على ذلك وكتب إليه كتابا سريا يأمره بتأديب الثائرين من أهل مصر بعد أن أعطاهم الأمان فهذا كله كذب على الخليفة عثمان وإن صح أن الكتاب ختم بخاتمه كما يقال فربما تم هذا من غير علم الخليفة وأمره. (منهاج السنة ج3/ص188).
أما معاوية فقد كان واليا على دمشق في عهد عمر وأنه كان مشهودا له بالكفاءة وحسن السياسة وقد برزت هذه الكفاءة الإدارية والسياسية حينما ضمت إليه الأقاليم الأخرى. صحيح أن استمرار المعاوية رضي الله عنه فترة طويلة في ولاية الشام ربما كان عاملا من العوامل التي شجعته على مناوءة سلطة الدولة فيما بعد ولكن ليس هذا أمرا يؤاخذ عليه الخليفة عثمان الذي أراد أن يصلح بتوليته الشام أمر الناس.
فهؤلاء الولاة إذن لم يولهم عثمان لقرابتهم منه فحسب بل لأنهم ولاة متمرسون في شؤون إدارة الدولة وسياستها، سبق لهم أن تولوا أمر المسلمين وأثبتوا جدارة وكفاءة، وقد يقال أن هؤلاء الولاة لم يكونوا أفضل من غيرهم من صالحي المسلمين بل أن كثيرا ممن لو يولوا كانوا أسبق من هؤلاء الولاة إسلاما وأصدق جهادا وسبقا للخير. ويمكن الرد على ذلك بالقول: إن تعيين هؤلاء الولاة كان اجتهادا من الخليفة الذي رأى أنهم أولى من غيرهم وأكفأ وأنهم أصلح لسياسة المسلمين وتصريف أمور الدولة وقد يكون مخطئا في هذا الاجتهاد له أجر الإمام المجتهد، إذ ليس أحد كما يقول ابن تيمية معصوما بعد النبي صلى الله عليه وسلم بل الخلفاء وغير الخلفاء يجوز عليهم الخطأ والذنوب التي تقع منهم قد يتوبون عنها وقد تكفرها عنهم حسناتهم الكثيرة. والمهم في الأمر أنه حينما كان يتبين انحراف أحد هؤلاء الولاة لم تشفع له قرابته عند عثمان من أن يجلد حد شارب الخمر ويعزل عن الولاية كما فعل بالوليد بن عقبة كما أن هذه القرابة وحدها لم تكن مؤهلا للولاية وإلا لولى عثمان محمد بن أبي حذيفة الذين كان ربيبا لعثمان وقريبه ولكن عثمان رفض أن يوليه حينما طلب ذلك وقال له: يا بني لو كنت رضا ثم سألتني العمل لاستعملتك ولكن لست هناك. (دراسة عن الفرق ص34-35).
وأما تولية الأحداث فلم يولّ إلا رجلا سويا عدلا، وقد ولى رسول الله عتاب بن أسيد على مكة وهو ابن عشرين سنة وولّى أسامة بن زيد بن حارثة وطعن الناس في إمارته. وأما إيثاره قومه بني أمية فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثر قريشا على الناس ووالله لو أن مفتاح الجنة بيدي لأدخلت بني أمية عليها. (البداية والنهاية ج7/ ص187).
وروى ابن جرير من طريق محمد بن إسحاق عن عمه عبد الرحمن بن يسار أن الذي كان معه هذه الرسالة من جهة عثمان إلى مصر أبو الأعور السلمي على جمل لعثمان وذكر ابن جرير من هذه الطريق أن الصحابة كتبوا إلى الآفاق من المدينة يأمرون الناس بالقدوم على عثمان ليقاتلوه وهذا كذب على الصحابة وإنما كتبت كتب مزوره عليهم كما كتبوا من جهة علي وطلحة والزبير إلى الخوارج كتبا مزورة عليهم أنكروها وهكذا زور هذا الكتاب على عثمان أيضا فإنه لم يأمر به ولم يعلم به أيضا. (البداية والنهاية ج7/ص192).
وقد ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه بأسانيده: أن المصريين وجدوا ذلك الكتاب مع البريد إلى أمير مصر فيه الأمر بقتل بعضهم وصلب بعضهم وبقطع أيدي بعضهم وأرجلهم وكان قد كتبه مروان بن الحكم على لسان عثمان متأولا قوله تعالى: (إِنَّمَاجَزَاءُ الَّذِيْنَ يُحَارِبُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يَقَتَّلُوْا أَوْ يُصَلَّبُوْا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنْياَ وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيْمٌ) (المائدة: 33), وعنده أن هؤلاء الذين خرجوا على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من جملة المفسدين في الأرض ولا شك أنهم كذلك ولكن لم يكن له أن يفتات على عثمان ويكتب على لسانه بغير علمه ويزور على خطه وخاتمه ويبعث غلامه على بعيره بعد ما وقع الصلح بين عثمان وبين المصريين على تأمير محمد بن أبي بكر على مصر بخلاف ذلك كله . (البداية والنهاية ج7/ص204).
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي (ثنا) معاوية بن صالح من ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن أبي قيس حدثني النعمان بن بشير قال: كتب معي عثمان إلى عائشة كتاب فدفعت إليها كتابه فحدثتني أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعثمان: (إِنَّ اللهَ لَعَلَّهُ يُقَمِّصُكَ قَمِيْصًا فَإِنْ أرَادَكَ أَحَدٌ عَلَى خَلْعِهِ فَلاَ تَخْلَعْهُ، ثلاث مرات). قال النعمان: فقلت يا أم المؤمنين ! فأين كنت عن هذا الحديث؟، فقالت: يا بنيّ والله أنسيته. وقد رواه الترمذي من حديث الليث عن معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر عن النعمان عن عائشة به. ثم قال : هذا حديث حسن غريب. ورواه ابن ماجه من حديث الفرج بن فضالة عن ربيعة بن يزيد عن النعمان فأسقط عبد الله بن عامر. (البداية والنهاية ج7/ ص198).
وأما قوله: وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر حتى تظلم منه أهلها وكاتبه أن يستمر على ولايته سرا خلاف ما كتب الله جهرا. والجواب: أن هذا كذب على عثمان وقدحلف عثمان أنه لم يكتب شيئا من ذلك وهو الصادق البار بلا يمين وغاية ما قيل: إن مروان كتب بغير علمه وأنهم طلبوا أن يسلم إليهم مروان ليقتلوه فامتنع فإن كان قتل مروان لا يجوز فقد فعل الواجب وإن كان يجوز ولا يجب فقد فعل الجائز وإن كان قتله واجبا فذاك من موارد الاجتهاد فإنه لم يثبت لمروان ذنب يوجب قتله شرعا فإن مجرد التزوير لا يوجب القتل. وبتقدير أن يكون ترك الواجب فقد قدمنا الجواب العام. (منهاج السنة النبوية ج6/ص244).
وأخرج الترمذي والحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَا عُثْمَان ! إنَّهُ لَعَلَّ اللهَ يَقَمِّصُكَ قَمِيْصًا فَإِنْ أرَادَكَ المُنَافِقُوْنَ عَلَى خَلْعِهِ فَلاَ تَخْلَعْهُ حَتَّى تَلْقَانِي). وأخرج الترمذي عن عثمان أنه قال يوم الدار: إن النبي صلى الله عليه وسلم عهد إليّ عهدا فأنا صابر عليه. (تاريخ الخلفاء ص142).
وأما قوله: أمر بقتل محمد بن أبي بكر، فهذا من الكذب المعلوم على عثمان وكل ذي علم بحال عثمان وإنصاف له يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله ولا عرف منه قط أنه قتل أحدا من هذا الضرب،وقد سعوا في قتله ودخل عليه محمد فيمن دخل وهو لا يأمر بقتالهم دفعا عن نفسه فكيف يبتدئ بقتل معصوم الدم. وإن ثبت أن عثمان أمر بقتل محمد بن أبي بكر لم يطعن على عثمان. بل عثمان إن كان أمر بقتل محمد بن أبي بكر أولى الطاعة ممن طلب قتل مروان لأن عثمان إمام هدى وخليفة راشد يجب عليه سياسة رعيته وقتل من لا يدفع شره إلا بالقتل. وأما الذين طلبوا قتل مروان فقوم خوارج مفسدون في الأرض ليس لهم قتل أحد ولا إقامة حد وغايتهم أن يكونوا ظلموا في بعض الأمور وليس لكل مظلوم أن يقتل بيده كل من ظلمه بل ولا يقيم الحد.
وليس مروان أولى بالفتنة والشر من محمد بن أبي بكر ولا هو أشهر بالعلم والدين منه بل أخرج أهل الصحاح عدة أحاديث عن مروان وله قوله مع أهل الفتيا واختلف في صحبته. ومحمد بن أبي بكر ليس بهذه المنزلة عند الناس ولم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا أشهرا قليلة من ذي القعدة عام حجة الوداع. ومروان من أقران ابن الزبير فهو قد أدرك حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويمكن أنه رآه عام فتح مكة أو عام حجة الوداع. (منهاج السنة النبوية ج6/ص245).
وأما قوله: ولى معاوية الشام فأحدث من الفتن ما أحدثه. فالجواب: أن معاوية إنما ولاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما مات أخوه يزيد بن أبي سفيان ولاه عمر مكان أخيه واستمر في ولاية عثمان وزاده عثمان في الولاية وكانت سيرة معاوية مع رعيته من خيار سير الولاية وكان رعيته يحبونه. وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وخيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونهم. (منهاج السنة ج6/ص246).
وأما قوله: إنه نفى أبا ذر إلى الربذة وضربه ضربا وجيعا مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقه: ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، وقال: إن الله أوحى إليّ أنه يحب أربعة من أصحابي وأمرني بحبهم. فقيل له: من هم يا رسول الله ؟، قال: علي سيدهم وسلمان والمقداد وأبو ذر. فالجواب: أن أبا ذر سكن الزبذة ومات بها السبب ما كان يقع بينه وبين الناس فإن أبا ذر رضي الله عنه كان رجلا صالحا زاهدا وكان من مذهبه أن الزهد واجب. وأن ما أمسكه الإنسان فاضلا عن حاجته فهو كنز يكوى به في الناس. واحتج على ذلك بما لا حجة فيه من الكتاب والسنة. (وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ) (التوبة : 34). وجعل الكنـز ما يفضل عن الحاجة واحتج بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه قال: يا أبا ذر ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا يمضي عليه ثالثه وعندي منه دينار إلا دينارا أرصده للدين. وأنه قال الأكثرون هم الأقلون يوم القيامة إلا من قال بالمال هكذا وهكذا. ولما توفي عبد الرحمن بن عوف وخلف مالا جعل أبو ذر ذلك من الكنز الذي يعاقب عليه وعثمان يناظره في ذلك حتى دخل كعب ووافق عثمان فضربه أبو ذر وكان قد وقع بينه وبين معاوية بالشام بهذا السبب. وقد وافق أبا ذر على هذا طائفة من النساك كما يذكر عن عبد الواحد بن زيد ونحوه ومن الناس من يجعل الشبلى من أرباب هذا القول.
وأما الخلفاء الراشدون وجماهير الصحابة والتابعين فعلى خلاف هذا القول فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيْمَا دُوْنَ خَمْسِ أوَاقٍ صَدَقَةٌ)). فنفى الوجوب فيما دون المائتين ولم يشترط كون صاحبها محتاجا إليها أم لا.
وقال جمهور الصحابة: الكنز هو المال الذي لم تؤد حقوقه وقد قسم الله تعالى المواريث في القرآن ولا يكون الميراث إلا لمن خلف مالا . وقد كان غير واحد من الصحابة له مال على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار بل ومن المهاجرين وكان غير واحد من الأنبياء له مال.
وكان أبو ذر يريد أن يوجب على الناس ما لم يوجب الله عليهم ويذمهم على ما لم يذمهم الله عليه مع أنه مجتهد في ذلك مثاب على طاعته صلى الله عليه وسلم كسائر المجتهدين من أمثاله. وقول النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه إيجاب إنما قال: (مَا أُحِبُّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيَّ ثاَلِثُهُ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ)، فهذا يدل على استحباب إخراج ذلك قبل الثالثة لا على وجوبه. وكذا قوله : (المُكثِرُوْنَ هُمُ المقلوْنَ)، دليل على أن من كثر ماله قلت حسناته يوم القيامة إذا لم يكثر الإخراج منه، وذلك لا يوجب أن يكون الرجل القليل السحنات من أهل النار إذا لم يأت كبيرة ولم يترك فريضة من فرائض الله.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقوّم رعيته تقويما تاما فلا يعتدي لا الأغنياء ولا الفقراء. فلما كان في خلافة عثمان توسع الأغنياء في الدنيا حتى زاد كثير منهم على قدر المباح في المقدار والنوع وتوسّع أبو ذر في الإنكار حتى نهاهم عن المباحات. وهذا من أسباب الفتن بين الطائفتين.
فكان اعتزال أبي ذر لهذا السبب ولم يكن لعثمان مع أبي ذر غرض من الأغراض. وأما كون أبي ذر من أصدق الناس فذاك لا يوجب أنه أفضل من غيره بل كان أبو ذر مؤمناضعيفا كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَا أبَا ذَرٍّ إنِّي أرَاكَ ضَعِيْفًا وَإنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي, المُؤْمِنُ القَوِيّ خَيْرٌ وَأحبّ إلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيْفِ وَفِى كُلّ خَيْر). وأهل الشورى مؤمنوك أقوياء وأبو ذر وأمثاله مؤمنون ضعفاء. فالمؤمنون الصالحون لخلافة النبوة كعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف أفضل من أبي ذر وأمثاله . والحديث المذكور بهذا اللفظ الذي ذكره الرافضي ضعيف بل موضوع وليس له إسناد يقوم به . (منهاج السنة النبوية ج6/ ص270-276)
وأما نفي أبي ذر رضي الله عنه إلى الربذة فقد ثبت ولكن لم يكن بفعل عثمان بل باختيار أبي ذر الذي آثر أن يبتعد ويعتزل حينما وقع بينه وبين الناس ما وقع بسبب بعض آرائه. ويؤكذ هذا ما أورده البخاري في صحيحه عنزيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر قلت: ما أنزلك منزلك هذا ؟، قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في (وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِى سَبِيْلِ اللهِ) (التوبة:34)، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم. وكان بيني وبينه في ذاك فكتب إليّ عثمان رضي الله عنه يشكوني. فكتب إليّ عثمان أن أقدم المدينة فقدمتها فكثر عليّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك فذكرت ذلك لعثمان، فقال: إن شئت تنحيت فكنت قريبا. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمّروا عليّ جيشا لسمعت وأطعت.
وروى ابن سيرين قال: قدم أبو ذر المدينة فقال عثمان: كن عندي تغدو عليك وتروح اللقاح. قال: لا حاجة لي في دنياكم، ثم قال: ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة، فأذن له فخرج. (صفوة الصفوة ج1/ ص596).
ويؤيد هذا أن أبا ذر لم يكن يحمل على الخليفة شيئا وقد أورد ابن سعد أن ناسا من أهل الكوفة قالوا لأبي ذر وهو بالربذة: يا أبا ذر فعل بك هذا الرجل وفعل فهل أنت ناصب لنا راية (يعني فنقاتله)، فقال: يا أهل الإسلام لا تعرضوا على ذاكم ولا تذلوا السلطان فإنه من أذل السلطان فلا توبة له والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة أو أطول حبل لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت أن ذاك خير لي ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال ما بين المشرق والمغرب لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت أن ذاك خير لي ولو ردني إلى منزلي لسمعت وأطعت وصبرت وأحتسبت ورأيت أن ذاك خير لي. (دراسة عن الفرق ص39-40).
كتب إليّ السري يذكر أن شعيبا حدثه عن سيف عن عطية عن زيد الفقهي، قال: لما ورد ابن السوداء الشام لقي أبا ذر، فقال: يا أبا ذر ألا تعجب إلى معاوية يقول: المال مال الله ألا أن كل شيء لله كأنه يريد أن يحتجه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين. فأتاه أبو ذر فقال: ما يدعوك إلى أن تسمى مال المسلمين مال الله ؟، قال: يرحمك الله يا أبا ذر، ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره ؟، قال: فلا تقله، قال: فإني لا أقول أنه ليس لله ولكن سأقول مال المسلمين.
ودخل عليّ عثمان فقال: يا أبا ذر ما لأهل الشام يشكون ذربك، فأخبره أنه لا ينبغي أن يقال: مال الله ولا ينبغي للأغنياء أن يقتنو مالا، فقال: يا أبا ذر عليّ أن أقضي ما عليّ وآخذ ما على الرعية ولا أجبرهم على الزهد وأن أدعوهم إلى الاجتهاد والاقتصاد. قال: فتأذن لي في الخروج فإن المدينة ليست لي بدار، فقال: أوتستبدل بها إلا شرا منها، قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخرج منها إذا بلغ البناء سلعا، قال: فانفذ لما أمرك به، قال: فخرج حتى نزل الربذة فخط بها مسجدا وأقطعه عثمان صرمة من الإبل وأعطاه مملوكين وأرسل إليه أن تعاهد المدينة حتى لا ترتد أعرابيا ففعل. وكتب إليّ السري عن شعيب عن سيف عن محمد بن عون عن عكرمة عن ابن عباس قال : كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية وكان يحب الوحدة والخلوة. (تاريخ الطبري ج2/ص615-616). و (الكامل لابن الأثير ج3/ ص11).
ثم خرج على من عنده وخرج عثمان على أثره فجلس على المنبر ثم قال: أما بعد؛ فإن لكل شيء آفة، ولكل أمر عاهة وإن آفة هذه الأمة وعاهة هذه النعمة عيابون طعانون يرونكم ما تحبون ويسترون عنكم ما تكرهون يقولون لكم ويقولون أمثال النعام، يتبعون أول ناعق أحب مواردهم إليهم البعيد لا يشربون إلا نفصا ولا يردون إلا عكرا لا يقوم لهم رائد وقد أعييتهم الأمور. إلا فقد والله عبتم عليّ على ما أقررتم لابن الخطاب بمثله ولكنه وطئتم برجله وضربكم بيده وقمعكم بلسانه فدنتم له على ما أحببتم وكرهتم ولنت لكم وأوطأتكم كتفي وكففت يدي ولساني عنكم فاجترأتم عليّ أما والله لأنا أعز نفرا وأقرب ناصرا وأكثر عددا وأحرى إن قلت هلم أتى إليّ , ولقد عددت لكم أقرانا وأفضلت عليكم فصولا، وكشرت لكم عن نابي وأخرجتم مني خلقا لم أكن أحسنه ومنطقا لم أنطق به فكفوا عني ألسنتكم وعيبكم وطعنكم ولاتكم فإني كففت عنكم من لو كان هو الذي يكلمكم لرضيتم منه بدون منطقي هذا. ألا فما تفقدون من حقكم ؟، والله ما قصرت عن بلوغ ما بلغ من كان قبلي. ولم تكونوا تختلفون عليه فقام مروان بن الحكم فقال: إن شئتم حكمنا والله ما بيننا وبينكم السيف نحن وأنتم والله كما قال الشاعر:
فرشنا لكم أعراضنا فنبت بكم  مغارسكم تبنون في دفن الثرى
فقال عثمان: أسكت لأسكت دعني وأصحابي ما منطقك في هذا ؟ ألم أتقدم إليك أن لا تنطق ؟ فسكت مروان ونزل عثمان عن المنبر فاشتد قوله على الناس وعظم وزاد تألبهم عليه. (الكامل لابن الأثير ج3/ ص44-45).

Bersambung.... Part V

0 komentar:

Posting Komentar